الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة تألق جديد للسينما الجزائرية في مهرجان كان: المخرج كريم موساوي بين الرقة والعمق

نشر في  25 ماي 2017  (22:41)

بقلم الناقد طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان

كان لا بدّ أن أشاهد فلم « طبيعة الوقت » لكريم موساوي مرّة ثانية حتى أتأكد من انطباعي الأول وأن تستمرّ متعة مشاهدة هذا العمل الرائع. تأكدتُ من انطباعي واستمرت متعة المشاهدة. يمكن اللآن القول عاليا بأن السينما الجزائرية الشابة تحتل الريادة في سينماءات الضفة الجنوبية من المتوسط.

كنا أشرنا في مناسبات عدة إلى أعمال طارق تقية ولمين عمار خوجة وحسن فرحاني وجمال كركر وجميل بالوصيف ونزيم جماعي وطارق سامي وغيرهم، مجموعة من السينمائيين الشبان الذين قدموا أفلاما لم تجد حظها في الأسواق السينمائية ولا حتى في المناسبات الثقافية بالرغم من قيمتها العالية، واللافت أنها أُنجزت كلها في ظروف صعبة جدا من حيث التمويل والإنتاج.

كان كريم موساوي قد جلب اهتمام متابعي الشأن السينمائي منذ سنتين بفلمه القصير « الأيام السابقة » الذي لقي استحسانا ملحوظا من لدن النقاد الجديين، وها هو الآن يقدّم في قسم « نظرة ما » شريطا طويلا فيه من الجرأة السينمائية ومن التجديد الإبداعي ما يجدر بالتنويه والإشادة.

أولا جاء البناء السردي مختلفا تماما عن المعهود من حيث أن الشخصية الرئيسية تتغير ثلاث مرات دون القطع تماما مع تطور الحكي. تسير الأحداث بشكل يجعل كل شخصية تترك المجال لشخصية ثانوية جدّا تحتلّ المكانة الأولى ثم تختفي هذه الأخيرة بدورها لصالح أخرى ثانوية وهكذا دواليك. العملية السّردية ليست لعبا شكلانيا اعتباطيا بل ضرورة مُلحّة يفرضها منطق السرد الباطني.

فالمرور من مراد إلى عائشة إلى دحمان هو انتقال مركز الإهتمام من جيل إلى جيل ومن موضوع إلى موضوع ومن سياق إلى سياق. ومن مروره من جيل إلى جيل ومن موضوع إلى موضوع ومن سياق إلى سياق ينفتح أمامنا مشهد الجزائر اليوم في عرض رقيق وعميق لقضاياه الأساسية، الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

مراد رجل أعمال مطلّـق فقد السيطرة على وضعه العائلي والمهني مكتشفا عجزه حتى على الإدلاء بشهادة بشأن عملية اعتداء تمت أمام عينيه؛ عائشة فتاة في مقتبل العمر لم تتمكن من تحقيق حلمها في اختيار الرجل التي تحبه وتخضع لسلطة الآخرين؛ دحمان طبيب يتهيأ للزواج لكن لم يتمكن من الهروب من أحداث فظيعة تمت أثناء سنوات الجمر تحمّل فيها مسؤولية أخلاقية وسياسية خطيرة.

شخصيات عادية تتحرك في ديكور هو خليط من الخراب والبناء (بنايات غير مكتملة متلاصقة دون أي منطق) ديكور تجتمع فيه جلالة الجبال برداءة البنايات العشوائية تخترقه موجات من الحياة في لحظات موسيقية يمتزج فيها الفن الشعبي بمقاطع من أعمال جان سيباستيان باخ، لوحات سينمائية في غاية من الشاعرية. فضاء جديد يستكشفه كريم موساوي في جرأة هادئة ورقة غير مألوفة.